روائع مختارة | واحة الأسرة | أولاد وبنات (طفولة وشباب) | العاشقون صنوف.. أي العاشقين أنت؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > أولاد وبنات (طفولة وشباب) > العاشقون صنوف.. أي العاشقين أنت؟


  العاشقون صنوف.. أي العاشقين أنت؟
     عدد مرات المشاهدة: 4609        عدد مرات الإرسال: 1

(أنا فتاة في العشرين من عمري، تكمن مشكلتي في أنني تعرفت على شاب منذ العام ونصف العام؛ رغم شدة احتراسي وشدة خوفي من الوقوع في مثل هذه الأشياء.

ولكن أحيانًا يضطر الإنسان إلى أن يبحث عن راحته وأمنه واستقراره خارج المنزل إذا لم يجدها داخل المنزل، أعني الحالة النفسية والاجتماعية.

كنت وما زلت أوقن بأن ما فعلته لم يكن الصواب، ولكني فعلت واستسلمت لأسهل الطرق وأردئها وكانت مشكلتي الأولى.

بدأ تفكيري يتغير تدريجيًّا مع هذا الشاب ولكن بشكل إيجابي، دفعني إلى الحياة والجد والاجتهاد.

فبدأت حياتي بكل مجالاتها تتقدم إلى الأمام، حتى أصبح حلقة الوصل بيني وبين السعادة التي أنشدها ولم أجدها في أحضان عائلتي، أصبح وأمسي يدلني إلى طريق الخير.

بدأت أتمسك به كثيرًا حتى لا أكاد أتخيل حياتي بدونه وبدون إرشاده ونصحه الطيب.

بدأت نار الحب بين الطرفين بعد أن أثبت صدقه معي، ولكن إلى أين فهو رغم قوة العلاقة التي بيننا لم يعدني ولا بأي شيء يُذكر، وأنا أعلم بالسبب وهو حالته المادية التي لا تؤهله للإقدام على الزواج.

وسؤالي الذي يمثل مشكلتي هو: ماذا أفعل؟

أحبه كثيرًا ولا أستطيع العيش دونه، وفي نفس الوقت أشعر بتأنيب الضمير تجاه هذه العلاقة؛ لأنها مهما سَمَت تبقى في نطاق المحرمات، هل من حقي يا ترى أن أنهي هذه العلاقة؟ هل أقتل راحة نفسي ونفس من وقف بجانبي؟ هل أسدل الستار الأسود على حياتي؟

الجواب سيكون: نعم، بما أني فتاة مؤمنة يجب أن أتخلى عن مباهج الحياة وأتجه إلى الله، ولكن كيف؟ أشعر بعجز تجاه ذلك، أتخيل أن الله لن يقبل مني عملًا بسبب هذه العلاقة، ولكني أفقد السيطرة.

أنقذوني فقد بدأ الجنس عبر الهاتف يشكل جزءًا من علاقتنا، وأنا والله لا أريد ذلك ولا هو، فقد حاول ألا يتصل بي لأيام بسبب ذلك، ولكن نبقى في النهاية بشرًا وهذه فطرتنا التي فُطرنا عليها.

أرشدوني ماذا أفعل؟ وادعوا لي وله بالصلاح والهداية) [الحب والخطيئة، كتيب صادر عن موقع إسلام أون لاين، تقديم الدكتور يوسف القرضاوي، ص(29-30)].

أي العاشقين أنت:

قصة هذه الفتاة التي ذكرناها، تتكرر كثيرًا في واقع الشباب هذه الأيام، فنجد أن الشباب يقعون في حب الفتيات، فهذا شاب أهمل في دراسته وظل يفكر في صديقته التي لم تعد في الفترة الأخيرة ترد على هاتفها.

وهذا آخر كرَّس كل ما يملك في سبيل إسعاد صاحبته في الفسح وغيرها، وهكذا نجد شبابنا يعيشون في هذا الوهم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

فهؤلاء الشباب العاشقين لهذا الحب الوهمي، يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام كما أخبر الإمام ابن القيم رحمه الله، يقول ابن القيم رحمه الله: (والعشاق ثلاثة أقسام:

منهم: من يعشق الجمال المطلق.

ومنهم: من يعشق الجمال المقيد، سواء طمع بوصاله أو لا.

ومنهم: من لا يعشق إلا من يطمع في وصاله.

وبين هذه الأنواع الثلاثة تفاوتٌ في القوة والضعف.

فعاشق الجمال المطلق: يهيم قلبه في كل وادٍ، وله في كل صورة جميلة مراد... فهذا عشقه أوسع، ولكنه غير ثابت كثير التنقل:

يهيم بهذا ثم يعشق غيرهُ

ويسلاهم من وقته حين يصبح

وعاشق الجمال المقيد: أثبت على معشوقهِ وأدوم محبة له، ومحبته أقوى من محبة الأول؛ لاجتماعهما في واحد، ولكنْ يضعفهما عدم الطمع في الوصال.

وعاشق الجمال الذي يُطْمع في وصاله أعقل العشاق وأعرفهم، وحبه أقوى؛ لأن الطمع يمده ويقوِّيه) [الداء والدواء، ابن القيم، ص(174)].

والمتأمل في واقع الشباب يقف على مدى التناغم بين واقعهم وبين كلام ابن القيم رحمه الله، فهناك شاب يحب الحب ذاته، يلهث وراءه، لا يرى العيش دون قصة حب، وإذا ما انتهت قصة سارع لنسج أخرى، فتعلقه ينطلق من رغبة مسبقة.

بينما نجد شابًّا آخر لا ينطلق برغبة مسبقة، وإنما اعتراه ما اعتراه دونما قصد أو تعمد، فيتعلق قلبه بمن تنساب عواطفه نحوها على وجه الحصر، وهو في خضم ذلك لا يطمع في الزواج من محبوبته، إما قسرًا بضغط الظروف التي تحول بينه وبين ذلك، وإما اختيارًا منه لاقتناعه بعدم الملاءمة أو لأسباب أخرى قد تبدو غريبة، كزعمه أن الزواج مقبرة الحب!!

والنوع الثالث من الشباب هو الذي يتعلق قلبه ويطمع في الوصال، ويسعى إليه تتويجًا لهذه العاطفة بالرابطة المقدسة ـ وهي الزواج ـ التي تحتضنها وتنميها وتحفظها.

ولكن السؤال الآن؟ لماذا يسعى كثير من الشباب نحو الارتباط العاطفي والعيش في كنف قصة حب؟ لماذا يقدم الشاب على ذلك وهو يعلم أنه سيخوض غمار بحر تتدافعه فيه الأمواج؟ يعلم أنه ربما لن يعرف الراحة والطمأنينة.

فإن قال: أريد أن أملأ أوقاتي بقصة حب كما يفعل كثير من الشباب، قلنا: ما أكثر وأشد التبعات، وإن كان يبحث عمن يبادله الحب في الخفاء، فيحبس لذلك أنفاس حبه، قلنا: فما أعظم الألم والاكتواء.

وحتى نتعرف على ذلك، تعال معي لنعرف أسباب هذا العشق الوهمي:

1- الفراغ القاتل:

ونقصد به ذلك الفراغ العاطفي في مجتمعات الشباب الصغيرة وهي الأسر، ذلك الفراغ هو السبب الأول لتعميق مشكلة الحب بين الشباب والفتيات.

فالفراغ العاطفي لدى الشباب والذي ينتج عن ضعف التربية العاطفية من قِبل الوالدين، وعدم الاحتواء العاطفي للأبناء في مرحلة المراهقة، سواء بسبب المشاكل التي تحدث بينهما أو لانشغال أحدهما بعمله، أو لأي سبب آخر، يؤدي إلى مشاكل في نمو الشاب الانفعالي، ومن ثَم يحاول الشاب أن يلجأ إلى تفريغ تلك العاطفة في أماكن ومجالات أخرى.

ومع الميل الطبيعي في تلك المرحلة للفتيات يحدث الانجذاب ثم التعلق ثم الحب.

(يتأثر النمو الانفعالي للشاب بالجو الاجتماعي السائد في عائلته، فأية مشاجرة تنشأ بين والده وأمه تؤثر في انفعالاته، وتكرار هذه المشاجرات يؤخر نموه السوي، ويعوق اتزانه الانفعالي.

ومغالاة الوالدين في السيطرة على أمور حياة المراهق اليومية، والاستمرار في معاملته كطفل صغير يحتاج إلى إرشاد دائم، وإعاقة ميوله وهواياته وإخضاعه لاختيار الوالدين لمهنته المقبلة، وشعوره بالحرمان المالي الشديد الذي يهبط بمكانته بين رفاقه، وإهمال تدريبه على ضبط انفعالاته منذ طفولته، كل هذا يؤثر تأثيرًا ضارًّا في نموه الانفعالي.

إذًا فالمعاملة الوالدية ذات تأثير كبير في سلوك المراهق، فلا يصح معاملة المراهق كطفل بل يُعامل كشخص ناضج يُحترم رأيه، ويظهر الوالدان الثقة به وبتصرفاته.

فهذه المرحلة مرحلة صداقة بين الوالدين والمراهق ذكرًا كان أو أنثى فلا قسوة ولا عنف مع المراهق، (بل يشجعه الوالدان على أن يحكي مشكلاته وهمومه في هذه المرحلة، ومخاوفه وما يحدث له) [أبناؤنا في مرحلة البلوغ وما بعدها، د.شحاتة محروس، ص(76-80)، بتصرف].

2- القلب الخالي:

فمن خلا قلبه من محبة الله والأنس به والتلذذ بقربه؛ من السهل عليه الوقوع في أسر الحب والشهوات فكلما ضعف إيمان العبد كان أكثر جرأة على محارم الله عز وجل، وقد قال عز من قائل سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٣٧-٤1].

فتأمل كيف جعل الله تعالى عمران القلب بالخوف منه، مقدمة لنهي النفس عن الهوى.

والصـراع بين الشهوات الإنسانية والإيمان على القلب صراع مرير منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، والمنتصر فيه هو المتحكم في ملك الجسد ألا وهو القلب.

فإما أن تكون الغلبة للإيمان فيحلق الشاب في سماء العفة، أو تكون الغلبة للشهوات فينحدر في حضيض الغفلة؛ فالقلب لا يقع في أوهام الحب الزائفة إلا إذا ضعف الإيمان فيه؛ فتضعف سيطرة القلب على النفس فتطغى، وتسعى لإشباع رغباتها ونزواتها، وتُسخِّر الجوارح لخدمتها.

فاصدقني القول أيها العاشق الولهان، هل تشعر بهذه المشاعر الزائفة حين تزداد من الرحمن قربًا وتزداد عن الشيطان بعدًا؟

هل تحس بهذا الألم وهذا الضيق من نفسك ومن شهواتك حين تستقيم جوارحك على طاعة الله، حينما تكون موصولًا بربك، مؤديًا لما أمرك من فرائض، ومبتعدًا عما نهاك من نواهي، ومجتنبًا لمعاصيه، ومتوددًا إليه بصنوف الطاعات.

هل تجد من قلبك هنَّة، أو من عينك لفتة، أو من عقلك فكرة، تدفعك إلى مثل هذه العلاقات حينما تحس بالإيمان يعمر قلبك؟

وأخيرًا أرهف سمعك لابن القيم حين يقول: (وعشق الصور إنما تُبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى، المعرضة عنه، والمتعوضة بغيره عنه؛ فإذا امتلأ القلب من محبة الله، والشوق إلى لقائه؛ دفع ذلك عنه مرض عشق الصور) [زاد المعاد، ابن القيم، (4/246)].

ماذا بعد الكلام؟

ـ بالنسبة للآباء:

من المهم جدًا أن يكون للأباء دور في الحوار مع أبنائهم، فيسألوا عن حالهم، ما هي المشكلات التي تواجههم؟ ثم يساعدوهم في حلها، فابنك أيها الوالد في مرحلة المراهقة يبحث عمن يبث إليه همومه، فإذا لم يجد في البيت من يسمع له، هناك تكون المشلكة، لأنك لا تدري من سيقوم بدور الناصح لابنه فربما يكون صديق سوء، أو ستجد من ينصح ابنك في النهاية هي فتاة.

ـ بالنسبة للأبناء:

املأ قلبك بحب الله تبارك وتعالى فحافظ على الصلوات الخمس في مسجد الله تعالى قدر استطاعتك، ثم أكثر من النوافل، فهذا كله يكون دافعًا لحب الله عز وجل لك، كذلك حافظ على قراءة كتاب الله عز وجل.

فإنه خير دفاع يحميك من الفتن والشهوات، ثم أخيرًا دع عنك أصحاب السوء الذي سيردونك إلى الهاوية، وابحث عن الأصدقاء الصالحين الذين ستجدهم في المساجد ودور تحفيظ القرآن، ومجالس العلم، فإنهم خير عون لك على سلوك طريق الاستقامة والبعد عن الفتن وزينتها.

المصادر:

•       زاد المعاد، ابن القيم.
•       الحب والخطيئة، كتيب صادر عن موقع إسلام أون لاين، تقديم الدكتور يوسف القرضاوي.
•       الداء والدواء، ابن القيم.
•       أبناؤنا في مرحلة البلوغ وما بعدها،

الكاتب: د. شحاتة محروس

المصدر: موقع مفكرة الإسلام